محمد السعيد يكتب: لبنان ما بعد الكارثة
على الرغم من فترة الهدوء النسبي الذي شهدته الأجواء في لبنان قبل ساعات من إنفجار مرفأ بيروت حيث حبس الشارع اللبناني أنفاسه منتظراً قرار المحكمة في قضية إغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام ٢٠٠٥م ، هذا الصمت المؤقت الذي جاء عقب تظاهرات شعبية ضجت بها لبنان ، والتي طالبت بإجراء إصلاحات جوهرية في العديد من الملفات للنهوض بالوضع الإقتصادي المتردي .
فلم يهنأ الشارع اللبناني بالصمت الذي بدأ يخيم على أرجاء لبنان عدة ساعات وكأنه الهدوء الحذر الذي يسبق العاصفة ، ليدوي صوت إنفجار أهم موانئ لبنان وهو مرفأ بيروت ليزلزل أنحاء العاصمة اللبنانية متسبباً في كارثة إنسانية مفجعة اهتز لوقعها الرأي العام العربي والعالمي ، حيث وصف هذا الإنفجار بأنه هيروشيما ٢٠٢٠ ، مخلفاً عشرات القتلى وآلاف المصابين ، حيث قدرت أضراره المبدئية بنحو خمسة مليارات دولار .
وكأن هذا البلد الجريح الذي أنهكته الحرب الأهلية والصراعات بدا وكأنه لن يجد طريقه للخروج من عنق الزجاجة التي حُشر بها ، حيث حالة عدم الإستقرار السياسي من جهة ، وفشل جهود الحكومة في الحيلولة دون تردي الأوضاع الإقتصادية والأمنية من جهةٍ أخرى ، فلم يكد هذا البلد الجريح ينهض من تبعات أزمة ، إلا وتلاحقه الأخرى .
وحال بحثنا في حادثة مرفأ بيروت نجد أنها وبنسبة كبيرة وبحسب خبراء أمنيين تعود إلى فعل فاعل العديد من أصابع ، كما تشير أصابع إتهام إلى أن هذا العمل التخريبي لا يستبعد ضلوع إسرائيل فيه لتفجير هذا المرفأ الحيوي الواقع بالعاصمة اللبنانية “بيروت” ذات الموقع الإستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط ، وسيطرة حزب الله اللبناني على مساحات واسعة منه ، الأمر الذي يجعل إسرائيل متربصة دائماً بعدوها اللدود لها في المنطقة العربية وهو تنظيم حزب الله ، وخاصة المعلوم لدى الكثيرين بالتعاون القائم بين إيران وحزب الله من حيث التعاون العسكري ، مع ترجيح أن حزب الله قد تم إمداده بكميات من المواد المستخدمة في تصنيع بعض الأسلحة والمتفجرات لا سيما مادة « نيترات الأمونيوم » ، من خلال هذا المرفأ الحيوي ، قيل أن هذه المادة كانت مخزنة بمرفأ بيروت قبل إنفجاره ، وأن هذه المادة كانت السبب في حدوث هذه الأضرار البالغة التي خلفها الإنفجار الضخم ، ولا يخفى على المتتبع للمشهد العسكري بين حزب الله وإسرائيل يجد أن إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية ، تدخلت بشكل مباشر في تفكيك شبكات تابعة لحزب الله المدعوم من إيران ، على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ، كما تمكنت من إغتيال العديد من القادة العسكريين بحزب الله أمثال« عماد مغنية » ، وأستطيع القول بأن إسرائيل تسعى وبكل سبيل للنيل من قوات حزب الله بقصف جبهاتها في محاولة منها لإضعافه كخصم شرس لها متمركز على الحدود بالجنوب اللبناني بقيادة حسن نصرالله .
فإسرائيل لم تدخر جهداً في التحرش بقوات حزب الله بين الحين والآخر ، سواء في لبنان أو حتى بسوريا ، خاصة بعد خسارتها أمام حزب الله اللبناني في حملتها العسكرية الثانية على قانا عام ٢٠٠٦م ، وأرى أن حزب الله من جانبه سوف يستغل حالة الغضب العام المستمرة حالياً في الشارع اللبناني ، خاصة عقب النداءات الداعية لحله مؤخرا ً، لتحقيق مكاسب سياسية ممكن أن تكون مؤقتة ، فمن المرجح أنه سيزيد من استفزازاته لإسرائيل ، مستغلاً في ذلك المشكلات السياسية التي تواجه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» الناجمة عن المشاكل الإقتصادية .
وبالدراسة المتأنية للمشهد الداخلي اللبناني نجد أن هذا البلد المنهك يعاني أزمة عميقة سببها السجال السياسي الدائر بين الفرقاء السياسيين في لبنان ، ما يتوجب على أبناء لبنان أن يتكاتفوا وان تنصهر مصالح الكتل والأحزاب السياسية جميعاً في بوتقة واحدة لتحقيق مصلحة الوطن لمجابهة هذه الظروف الصعبة التي تعصف ببلدهم والقضاء على كافة أشكال الانقسام والطائفية ، التي لاطائل منها ، وضرورة المضي قدماً لإيجاد أيسر السبل وأنسبها لإخراج بلدهم من عنق الزجاجة ببناء الدولة وإحلال السلام الذي يحقق التنمية لتبنى« لبنان الجريحة » بأيادي اللبنانيون أنفسهم .
وعلى الدول الأعضاء بالجامعة العربية أن يضطلعوا بمسئولياتهم تجاه الشقيقة لبنان والدعوة لعقد قمة عربية طارئة ، لدعم وإنقاذ هذا البلد العربي من الإفلاس والسقوط في الهاوية .
وبات على المجتمع الدولي أن يساهم بإقرار خطة إنقاذ عاجلة تحافظ على مقدرات الشعب اللبناني وتساهم في إستقرار الأوضاع الأمنية والإقتصادية في هذا البلد الذي عانى الأمرين خلال عقود مضت ولم يقدم له المجتمع الدولي مايستحقه لينعم بالأمن والإستقرار .