العالم

البغدادي… سكوت سنصوّر!

البغدادي… سكوت سنصوّر!

بقلم الأستاذ: علي الرز
نائب رئيس تحرير صحيفة الراي – الكويت

يصرخ المُخْرِجُ طالباً من الثرثارين في أماكن التصوير أن يهدأوا قليلاً ويركّزوا على حفظ النصوص كي تكون المَشاهد واقعية . لكن هيهات لمَن دخل هذا الأستوديو المترامي الأطراف العابر للحدود أن يهدأ وهو يُراقِبُ التحولات في أضخم إنتاجٍ سياسي – أمني عَرَفه المَشْرِق .

المُخْرِجُ مِن أذكى وأخْبث مَن تعاطوا مع المنطقة وجمهورها ، لا يهمّه عدد مُشاهِدي فيلمه بل عدد المُشارِكين فيه وعدد المتأثرين بشيْطنته لحِراكهم ، قبل دراسته للإنتاج ، تَخَرَّجَ أخصائي مختبرات ، يعرف كيف يخصّبُ بالنفَس الطويل بعض التجارب تماماً كما يحيك فنّانو السجاد بضاعتهم .

لا يوجد في قاموس هذا المُخْرِج شيء اسمه صدفة ، فكل شيء بالنسبة إليه خاضِعٌ لقانون المُنافَسة ، أن يخْرج الناسُ مُطالِبين بتغيير المَشْهَدِ الجاثم على صدورهم لعقودٍ فهو محاولةُ تطويقٍ له ولعمله ، ولا بدّ أن يردّ بعملٍ كبير يخلّد اسمَه في تاريخ الإنتاج ، الأرضُ مَجانيةٌ والأبطال جاهِزون والأهمّ منهم الكومبارس ، فحيثما يوجد بطل يوجد كومبارس ، وخصوصاً في منطقةٍ متخلّفة لا صوت يعلو فيها على صوت التطرف الطائفي والمذهبي ، فالفتنُ تم تخصيبُها وتجريبُها عندنا ، قبل أن يعطي المخرج القادم من عالم المختبرات الكرةَ الأرضية كلّها درساً في إحترافية توظيفها وتوجيهها .

النصُ جاهزٌ ، المَشاهِد ، أماكن التصوير ، ليَخْرج إذاً الأبطال الذين تم إعدادهم لمواجهة «الكفَرة» السوفيات سابقاً والأميركيين لاحقاً من السجون ، ولتتحوّل قضية إنتفاضات الناس وتوْقها الى حرْق أفلام الرعب قضيةَ تَطَرُّفٍ وإرهاب ، أما الكومبارس فيدرك المُخْرِجُ أن المتطوعين سيتوافدون بحُكْم ثقافتهم وتَخَلُّفِهم مجاناً للمشاركة متى ما فُتح الباب لهم ، إذا عاشوا في الفيلم ربح رهانَه وإن ماتوا حقق أكبر رقم من الأرباح .

المفارقةُ الأكبر في ما يتعلق بالفكرة ونصها ومَشاهِدها أن المُخْرِجَ حصل على تمويلٍ غير مسبوق من الشيطان الأميركي الذي يدّعي أنه حرّك الناس ضده ، ومن الروس الذين عاش أسلافُهم الهزيمةَ في أفغانستان ، ومن دول أوروبا التي رأت خطراً يتهدّدها ، وكي يجذب المُخْرِجُ هؤلاء كلهم الى مُساعَدَتِه في الإنتاج أرسل لهم «إعلانات» نارية (تريلر) لعرْضها في ساحاتهم وشوارعهم تضمّنتْ «تجارب حية» عن الثمن الذي يمكن أن يدفعوه في حال رَفَضوا .

اكتمل النص والحوار والسيناريو ومَشاهِد التصوير .
يطلب المُخْرِجُ من مُساعِدِه أن يعيد تأهيل «الأبطال» الذين وفدوا من تورا بورا ، ويحسن وفادتهم ويؤمّن لهم طيب الإقامة والحماية .

«كلاكيت أول مرة»… تدور الكاميرا حول حوارٍ مع مسؤولين أميركيين خلاصته: «سلِّمونا ما عندكم» ثم تُرَكِّزُ العدساتُ على ورقة مَطالب طويلة يقرأها الأميركيون ويدركون أنهم دخلوا كهوف أفغانستان ومَغاور المفاوضات .

يتقدم أبو مصعب الزرقاوي فيبلي بلاء حسناً ويُعْجَبُ المُخْرِجُ بأدائه رغم حداثة تعاطيه مع الكاميرا ، يقود مَشاهِد ضرْب المارينز في العراق مع ما تتطلّبه من ضحايا تشمل الأطفال والنساء والعجزة والتلامذة… مصلحة الإنتاج تبرّر المحظورات.

لم تُعْجِب الأميركي هذه العروض التصويرية وخصوصاً أنه يعشق التصوير ، يُرْسِلُ إلى المُخْرِج مَن يفاوضه ثم يخرج بإتفاقٍ مرحلي: أسلّمكَ البطل وسلِّمونا المزيد من أماكن التصوير والتمويل .

كلاكيت ثاني مرة… الزرقاوي قتيلاً .
يأتي عاشق الفن السابع والفلسفة والتاريخ إلى البيت الأبيض ويبدي إعجاباً غير مسبوق بخلفية المُخْرِج وثقافته وحضارته ، يبارك باراك ورقة المَطالب ، يخرج بعض أبطال تورا بورا من مكان إقامتهم قرب استديوهات المُخْرِج الى باكستان وغيرها ، يُخْلي مسؤوليته عنهم .

كلاكيت ثالث مرة… بن لادن قتيلاً.
تتوالى المَشاهد وتتمدّد مراكز التصوير ويتوالى «إصطياد» أرباب الصفين الثاني والثالث من قبل المُنْتِج الأميركي ، وكلما احتاج المُخْرِجُ إلى ممثلين يطلبُ من وكلائه الخارجيين التصرّف ، ينفتح سجن المكلا في اليمن مثلاً ويخْرج الآلاف بين ليلة وضحاها .

في سورية أختلف الوضع ، ضاق صدرُ المُخْرِج ، اتّصل بمدير الموقع في الشام وأمره بإطلاق مَن في السجون وحذّره من أن التنفيذ يجب ألا تشوبه أخطاء كالتي واكبتْ إرسال شاكر العبسي سابقاً إلى لبنان ، والأداء السخيف الذي ظَهَرَ به وكاد يُقتل خلال التصوير لولا إنقاذه في اللحظة الأخيرة .

كلاكيت رابع مرة… الجولاني أميراً .
يتردّد الأميركي في تنفيذ وعوده ويعتقد المُخْرِجُ أنه يماطل ويكسب الوقت كي يتقدّم بمشروعٍ إنتاجي آخَر على الأرض . يتصل بمدير «اللوكيشن» في العراق .

كلاكيت خامس مرة… البغدادي خليفة .
كلاكيت سادس مرة… «داعش» هاجِس العالم .
كلاكيت سابع مرة… المُنْتِجُ يحاول خَنْقَ المُخْرِج .
كلاكيت ثامن مرة… المُخْرِجُ يردّ على المُنْتِج في أماكن لم يتوقّعها .
كلاكيت تاسع مرة… المُنْتِج يسعى لكسْب ودّ المُخْرِج بطريقة أو بأخرى ويتغاضى عن مجازر الأنظمة وجرائمها لأن محاربة «داعش» أولوية .
كلاكيت عاشر مرة… البغدادي قتيلاً .

«سكوت… سنصوّر». يصرخ المُخْرِجُ مجدداً حاملاً مكبّر الصوت أمام «لوكيشن» مختلف يعتقد أن مشاريع أخرى في طريقها إلى التبلور ضدّ مشروعه .
«أكشن». تبدأ مَشاهد القنّاصة ودهْس المتظاهرين في العراق… أما لفيلم الرعب من نهاية؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى