منوعات

د. عمر محمد الشريف يكتب.. هل كان عثمان بن فودي وهابياً؟..

بقلم: د. عمر محمد الشريف

يعد التصوف ورجاله من أهم أسباب إنتشار الإسلام في مجاهل إفريقيا ، لكن البعض يريد تزييف الحقيقة مدعين أن رجال التصوف لم يكن لهم دوراً في نقل ونشر الثقافة الإسلامية في القارة السمراء ، والحقيقة أن لهم أدواراً معتبرة لا يمكن تجاهلها في نشر الإسلام على مدار قرون ، لقد نجح التصوف في نقل المعاني العظيمة للرسالة المحمدية وحقيقة الدين إلى مناطق مختلفة في القارة ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر رجال الطريقة القادرية والتي نتناول في السطور التالية سيرة أحد أعلامها ، أدعى البعض أن ليس له علاقة بالتصوف وصنفوه متأثرًا بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد والحجاز .

عثمان بن فوجي ، قائد ومصلح ومجدد ، مؤسس إمبراطورية تعد الأولى من نوعها في التاريخ الإسلامي في غرب القارة السمراء ، عرفت بالإمبراطورية الفولانية نسبة إلى قبيلة الفولاني التي ينتمي لها ، ظل أولاده يحكمون الدولة طوال قرن من الزمان ، أحفاده من مقاومي الإحتلال الإنجليزي بداية القرن العشرين .

ولد عثمان بن فودي في مكان يدعى مارتا بإقليم جوبير شمال نيجيريا الآن وذلك فى سنة ١١٦٨هـ ، إشتهر والده بلقب فودي أو فودير ، ومعناه بلغة الفولاني المعلم أو الفقيه ، وكان والده وأعمامه من رجال التصوف ، نشأ عثمان بن فودي صوفياً على منهج الشيخ عبد القادر الجيلاني حيث كانت الطريقة القادرية بجانب التيجانية الأكثر إنتشاراً في غرب أفريقيا .

كثر أتباعه واشتهرت حركته الإصلاحية في إمارة جوبير ، حتى أن حاكم إمارة جوبير والذي كان يدعى نافاتا لما أدرك قوة أتباع الشيخ عثمان أحس بالخطر على ملکه ، وأراد الحد من دخول أناس جدد في دعوة الشيخ عثمان وحركته الإصلاحية .

فأصدر مرسوماً يتضمن عدم السماح لأي شخص بإعتناق الدين الإسلامي إلا من ورثه عن أجداده ، وأن لا يسمح لأحد بلبس العمامة بعد تاريخ المرسوم ، وألا تضرب إمرأة بخمارها على وجهها ، وعدم السماح لأحد بالوعظ إلا الشيخ عثمان .

كان هذا المرسوم الشرارة الأولى للثورة على حكام الهوسا ، وتحول الحركة الإصلاحية الدعوية لحركة سياسية ثائرة ، قاد عثمان أتباعه للثورة على الوثنيين وكانت حركته بداية الصحوة في غرب إفريقيا ، وتأسيس دولة لها ثقلها في القارة .

للشيخ كتب عديدة ألفها في علوم التصوف ، حوت كتبه معلومات غزيرة عن دخول الطرق الصوفية إلى أفريقيا وانتماءاتها ودور التصوف فى الإصلاح الإجتماعي والسياسي والثقافي ، وخصوصًا الطريقة القادرية التي نالت قسطاً كبيراً من مؤلفاته ، حيث شرح الطريقة القادرية في كتابه “السلاسل القادرية للأمة المحمدية” ، وأيضا في مقالة بعنوان “تطيب قلوب الأمة المحمدية بذكر بعض القصائد القادرية ” ، وأيضًا في مقالة “السلاسل الذهبية للسادات الصوفية ” .

يروي الشيخ في بداية ثورته أنه شاهد رؤيا وهو في سن الأربعين ( أي تكون سنة ١٢٠٨ هـ) أنه جالس في إجتماع ضم سيد البشر صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة والشيخ عبد القادر الجيلاني ، الذي قلده سيف الحق ، وفي ذلك دلالة على تأثره بمنهج الجيلاني القادري في قيامه بدعوته الإصلاحية التي تحولت لثورة سياسية على الحكام الوثنيين .

ومن مؤلفاته في التصوف: كتاب “ولما بلغت فى الذكر والورد” ، وكتاب ” البصائر ” و” الفرق بين علم التصوف للتخلق وعلم التصوف للتحقق ” .

يرى الدكتور عبد الله عبد الرازق أستاذ التاريخ أن هذه المؤلفات جعلت الطريقة القادرية أكثر الطرق شيوعاً في غرب أفريقيا وصارت تنافس الطرق الصوفية الأخرى ، وخاصة الطريقة التيجانية حيث كان لمؤلفاته أثرها في إنتشار الأفكار الصوفية ، والتي لعبت دوراً في نشر التعليم والثقافة الإسلامية ، والتصدي إلى البدع والخرافات التي سادت مجتمعات غرب أفريقيا ، جنباً إلى جنب مع الدراسة والتعليم ، وتحملت الطريقة القادرية عبء التعليم في المنطقة .

كما كان الشيخ يكتب الشعر وله قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيها:

هل لي مسيرة نحو طيبة مسرعاً
لأزور قبر الهاشمي محمد

وقصيدة “مرآة الفرائض ” ، وكتب قصيدة لشيخه العالم الصوفي محمد المختار الكنتي يقول فيها:

يا رب زد لشيخنا المختار
كرامة التوفيق في الأخبار

كان الشيخ عثمان أشعري العقيدة ، وله كتيب صغير يقول فيه: “أما بعد فهذا كتاب أصول الدين نافع إن شاء الله تعالى لمن عول عليه وبالله التوفيق: العالم كله من عرشه إلى فرشه حادث وصانعه الله تعالى ، وهو تعالى واجب الوجود قديم لا أول له ، باق لا أخر له ، مخالف للحوادث ، ما هو بجرم ولا صفة للجرم ، ولا جهة له ولا مكان له ، بل هو كما كان في الأزل قبل العالم غني عن المحل ، والمخصص واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ” .

وكما هو واضح من مؤلفات وشعر الشيخ أنه كان أشعري العقيدة ، قادري المشرب ، صوفي المنهج ، ورغم ذلك فقد ربط البعض بين حركة الشيخ عثمان وحركة الشيخ ابن عبد الوهاب في الحجاز ، متجاهلين إنتماء الشيخ عثمان وأسرته للطريقة القادرية ، مدعين أن عثمان سافر لأداء مناسك الحج ، وبمكة التقى بمشايخ ودعاة الحركة الوهابية ، وزعموا أنه حضر مجالس الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأنه ظل بمكة فترة للإستزادة من الدعوة الوهابية، فكانت تلك الفترة هي التحول الأكبر في حياة الرجل .

وبعيداً عن صوفية الشيخ الجلية في مؤلفاته ، هناك إشكال تاريخي بخصوص الدعوة الوهابية في مكة المكرمة في تلك الفترة ، حيث كانت مكة تحت حكم الأشراف ولم يكن لعلماء الدعوة الوهابية تواجد فيها بل قاوم الأشراف وعلماء مكة تلك الدعوة ، وكان معقل الوهابية الدرعية وبلاد نجد ، فهذه الراوية مردود عليها بأكثر من جانب .

وقد رد الشيخ آدم الإلوري على هذا الربط من أوجه متعددة لعلنا نختصر رده هنا في ثلاث نقاط ، الأولى: أنه يختلف مذهب ابن عبد الوهاب عن مذهب ابن فودي في أصول دعوتهما ، ابن فودي مالكي المذهب ، أشعري العقيدة ، قادري الطريقة ، وابن عبد الوهاب حنبلي سلفي – والسلفيون غالباً حنابلة – ولا طريقة لهم .

الثانية: أن أول قيام الدعوة الوهابية كان سنة ١١٥٣هـ في بلاد نجد ، ولم تنتشر إنتشاراً يجعلها معروفة في العالم الإسلامي قبل قيام دعوة ابن فودي ، ولم تعرف الدعوة الوهابية في مكة إلا بعد عام ١٢١٨هـ ، وقد بلغت دعوة ابن فودي ذروتها في هذا التاريخ وثار على ملوك الهوسا .

الثالثة: أنه لم يكتب الله لابن فودي حجاً ولا عمرة ، ولم يخرج مطلقاً من حدود بلاده إلى بلاد العرب ، ولو أنه حج أو زار بلداً من بلاد العرب لكتب ذلك في مؤلفاته أو لكتبه عنه تلاميذه الذين سجلوا حياته والحوادث التي تعلقت بها من صغيرة وكبيرة .

كما أنه لم يرد ذکر محمد بن عبد الوهاب في مؤلفات ابن فودي وأخيه الأصغر عبد الله ولا أحد من تلاميذهم ، وذلك مما يدل على أنهم لم يتصلوا بدعوته ، ولو اتصلوا بها لذكروها في أشعارهم ومؤلفاتهم .

كما كان عثمان ابن فودي يعتقد في التوسل بالنبي والولي ، وله في قصائده توسلات كثيرة جداً بالنبي والصحابة والأولياء ، وقد عرب أخيه الأصغر عبد الله قصيدة أعجمية نظمها في التوسل بالشيخ عبد القادر ، وهي في نحو أربعين بيتاً جاء فيها:

یا رب عالم باطن كالظاهر
أجب الذي يدعو بعبد القادر
بركات أحمد في بلاد الله قد
عمت وجمت عند عبد القادر
يا رب یا متفضلاً لعباده
صلني بفضلك عند عبد القادر
إن المسيء لدى الأكابر يلتجي
فلجأت عند الشيخ عبد القادر
ما كنت أهلاً إن أجاب أجب لكون
وسيلتي درجات عبد القادر
عربت ما لأخي وشيخي عُجمة
متوسلين معاً بعبد القادر

ولما أسقط الشيخ الإلوري هذه الراوية بالأدلة والبراهين ، أقروا أن الشيخ عثمان لم يحج ولم يسافر لمكة ، وزعموا أن لما زار مكة شيخه جبريل بن عمر الأغدسي وأدى فريضة الحج اجتمع ببعض دعاة الوهابية ، كما درس بعض مؤلفات ابن عبد الوهاب ، وكان ذلك سنة ١٢١٠ هـ ، وهو الشيخ الذي تأثر به الشيخ عثمان .

لكن الشيخ جبريل لم يحج سنة ١٢١٠هـ بل حج وزار مكة قبل هذا التاريخ ووجدت أنه توفي عام ١٢٠٣ هـ ، وفي هذا التاريخ لم تعرف الدعوة الوهابية خارج حدود الدرعية ونجد ، و كما ذكرنا سابقاً لم تعرف الدعوة الوهابية في مكة قبل عام ١٢١٨هـ ، كما أننا لم نجد إشارة لتأثر الشيخ جبريل بدعوة ابن عبد الوهاب في كتب تلاميذه الشيخ عثمان وشقيقه الأصغر الشيخ عبد الله بن فودي .

وإنما وجدنا الشيخ عبد الله بن فودي يذكر أنه لما عاد الشيخ جبريل من رحلة الحج مروراً بمصر أعطى الشيخين عثمان وعبد الله كتاب ألفية السند للعلامة اللغوي المسند السيد محمد مرتضى الزبيدي أحد كبار الصوفية في عصره ، وألفية السند منظومة فيها أسانيده ومشايخه ومنهم كبار الصوفية .

لقد مكث الشيخ جبريل فترة بمصر بعد عودته من الحج ولازم الشيخ الزبيدي حتى أجازه الزبيدي بجميع ما أجيز له روايته وجميع تواليفه في العلوم من منثور ومنظوم ، وحررت الإجازة سنة ١١٩٨هــ ، أي أنه حج في حدود هذا التاريخ ، ويقول عبد الله فودي عن شيخه جبريل:

“وقرأت عليه كتب أصول الفقه كالقرافي والكوكب الساطع ، وجمع الجوامع مع شروحها ، وقرأت عليه بعض تواليفه ولازمته واستفدت منه كثيراً… وأجازنا جميع مروياته ، وأعطانا ألفية بالسند الذي ألفه شيخه المصري مرتضي…” .

ومن المشايخ الذين درس على يديهم الشيخ جبريل بن عمر لما كان بمصر الشيخ يوسف محمد الحفناوي ، ولعل أبرز مشايخه وأعلاهم سنداً هو الزبيدي .

والزبيدي من كبار علماء التصوف ، ويعد من أكثر علماء القرن الثاني عشر تأليفاً في التصوف ، فشرح كتاب إحياء علوم الدين للغزالي تحت عنوان “إتحاف السادة المتقين لشرح أسرار إحياء علوم الدين” ويقع في ١٠ أجزاء ، وله ” المنح العلية في الطريقة النقشبندية ” و “العرائس المجلوة في ذكر أولياء فوة ” ، و” عقد الجوهر الثمين في الذكر وطرق الإلباس والتلقين ” ، و ” إتحاف الأصفياء بسلاسل الأولياء “، و ” شرح صيغة السيد البدوي ” ، و ” شرح صيغة ابن مشيش ” ، وغيرها من المؤلفات في علوم التصوف .

في النهاية نستطيع القول أن بفضل التصوف والطريقة القادرية أسس إمبراطورية إسلامية اكتسحت جميع ما يعرف بشمال نيجيريا ، وبعد سقوط الدولة في براثن الإحتلال الإنجليزي ظلت نيجيريا محافظة على الأسس والدعائم الحضارية الإسلامية التي وضعها المصلح الصوفي المجدد الشيخ عثمان بن فودي الفولاني ، كما سار عليها أولاده وأحفاده من بعده ، ويقُدِّر عدد المسلمين في نيجيريا اليوم بنحو 50% من تعداد السكان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى